أن هذا الأمر وهو ( ( الوسواس في العقيدة ) ) وما يلحق به من الأفكار المزعجة كالأفكار في ذات الله عز وجل والأفكار في الدين والعقيدة والخوف من الكفر والردة وغيرها ليست جديدةً على المسلمين بل هي بادئةٌ منذ فجر الإسلام وقد وقعت في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، ونستفيد من هذا أن يعلم الإنسان أنه ليس وحيداً في ذلك بل وقع هذا الأمر لمن هم خير منه بل ممن هم خير هذه الأمة بعد نبيها ، ولهذا يتبين لنا أن حدوث هذا الأمر ليس دليلا على ضلال الإنسان وكفره وفسقه وخبثه بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الانزعاج منه وضيق الصدر بسببه إنما هو صريح الإيمان وهذه شهادة كبرى من النبي صلى الله عليه وسلم لكل من ضاق صدره بهذه الأفكار بأن ذلك هو ((صريح الإيمان))
وبعد أن زال ثلاثون بالمائة من هذا الوسواس بمعرفة ما سبق نبدأ الآن بمشيئة الله تعالى بذكر ما يزيله نهائياً .
فيجب على الإنسان الموسوس إذا جاءته هذه الأفكار المزعجة أن يتوقف عنها مباشرة ثم يفعل ما يلي :
الأول : أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .
الثاني : أن يهدأ ولا ينزعج من هذه الأفكار ولا يحكم على نفسه بالكفر أو الفسق .
بل يرتاح ويعلم أن غضبه وحزنه منها إنما هو صريح الإيمان ، وأن هذه الوساوس ليست منه وإنما هي من الشيطان تأتي على صورةٍ يظن أنها منه .
وهذه هي طبيعة الوسواس العقدي أن تأتي على صورة يشعر الإنسان وكأنها تصدر منه 100% ، وهذا عين ما وقع للصحابة رضوان الله عليهم حيث كانوا يعتقدون أن هذه الأفكار منهم ولذلك قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث ( إنا نجد في أنفسنا شيئاً ما يسرنا نتكلم به وإن لنا ما طلعت عليه الشمس قال : أوجدتم ذلك ، قالوا: نعم ، قال : ذاك صريح الإيمان ) .
فقد نسبوا هذا الأمر إلى أنفسهم حتى وضّح لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنها من الشيطان .
الثالث : أن يعلم علما يقينا أنه غير آثم وغير مؤاخذ بهذه الأفكار لما يلي :
أ- لقوله تعالى : (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة 286
ب – ولقوله عليه السلام : ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) سنن ابن ماجة .
ولا يخفى على أحد من الموسوسين أن هذه الأفكار تأتي رغماً عنه ولا يستطيع دفعها .
والله تعالى عفا عن ذلك ، كما أن هذه هي أحاديث نفس وأفكار تتوارد في الذهن وهذا أيضاً مما عفي عنه بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
د – أجمع العلماء كلهم على أن الإنسان غير مؤاخذ وغير آثم بما يأتيه من أفكار في ذات الله عز وجل أو في الدين أو في العقيدة.
ومن هؤلاء العلماء الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله تعالى حيث سأله سائلٌ فقال :
إني أجد شيئاً يدخل علي في ديني ، دون أن أعرف كيف قلته ونطقت به مما يجعل الهموم تشتد علي عندما أقول هذه الأقوال . فما هو الحل لمواجهة هذه المشكلة ؟
فأجاب الشيخ :
هذه المشكلة التي ذكرت يا أخي السائل ما هي إلا وساوس يلقيها الشيطان في قلبك ، وربما ينطق بها لسانك بدون قصد ولذالك تحس أنك مرغم على النطق بها مع كراهيتك الشديدة لها ، وحينئذ فان الدواء من ذلك الإعراض عن تلك الوساوس والتقديرات ، وأن تستعين بالله عز و جل على تركها ، وأن تستعيذ به من شرها ، وأن تداوم على ذكر الله تعالى ، وتلاوة القرآن الكريم ، فانك إذا وفقت لهذا زال عنك ما تجد ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما شكا إليه أصحابه رضوان الله عليهم ما يجدون طلب منهم أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم ، وأن ينتهوا عما يجدون في صدورهم من هذه الوساوس ، فإذا فعلت ذلك فإنها لا تضرك ، ونسأل الله لنا ولك العافية . والله الموفق .
الرابع : يقول : ( آمنت بالله ورسله )
الخامس : عدم مناقشة الفكرة نهائيا وعدم إثبات عكس الفكرة فهذا مما يزيد الوسواس بل يكتفي بقول : ( آمنت بالله ورسله ).
السادس : لا تجدد إسلامك ولا تقم بترديد الشهادة مرارا وتكرار لأن هذا يعني اقتناعك بوسوسة الشيطان واستجابتك لها .
السابع : بعض المتعالجين يقوم بالاستغفار بعد ورود الفكرة الوسواسية في العقيدة وهذا مخالف لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم !
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاستعاذة وقول ( آمنت بالله ورسلة ) ثم الانتهاء ولم يأمرنا بالاستغفار وترديد الشهادة ونحو ذلك مما يفعله المتعالجون .
الثامن : لا تقم بتصحيح عقيدتك ولا تقم بالرد على الفكرة الوسواسية وإثبات أنك مؤمن ! ، لأن هذه الأفكار من الشيطان ولا تضرك ولا تؤثر على إيمانك فلا داعي لتصحيح العقيدة .
تنبيه : تصحيح العقيدة يُنشط الوسواس ويزيد من شدته لأن الشيطان يفرح بها ويعلم أنك متأثر بالفكرة فيزيد الضغط تلقائيا .