علاج الأفكار المزعجة

 علاج الأفكار المزعجة

 

( الخوف من الموت – الأمراض – النظافة – الرهاب ..الخ)

وهي الأفكار المزعجة والتي قد يصاحبها بعض الأعراض كالخفقان والرعشة والصداع ونحو ذلك وسأضرب لها بعض الأمثلة :

الأول : الخوف من المستقبل ،أو الخوف من الموت أو الخوف من الأمراض الفتاكة كالإيدز والسرطان ونحوه .

الثاني  : الأفكار المتعلقة بالعنف وخوف الإنسان من القتل أو إلحاق الأذى به .

الثالث: الأفكار المتعلقة بعدم النظافة والخوف الشديد من لمس الأشياء المتسخة .

الرابع : الأفكار التي تلح على الموسوس أن يفعل فعلاً معيناً أو حركة

معينة وإن لم يفعلها فقد يصاب بأذى ونحوه .

الخامس : شك الزوج بزوجته أو شك الزوجة بزوجها .

السادس : الخوف من المجهول ، أو الخوف الشديد الذي يصاحبه خفقان في القلب

أو برودة في الأطراف ، أو ضيق في التنفس ، أو آلام في الرأس أو البطن أو إحساس بالتقيؤ أو إحساس بالإغماء ونحو ذلك .

السابع : الرهاب الاجتماعي كالخوف من الاختلاط بالآخرين ، والتهرب من الزيارات العائلية ، وتحاشي النقاشات والحوارات مع الزملاء والأصدقاء .

وهناك الكثير من الأفكار المزعجة غير ما ذكرت هنا تركتها لأنها كثيرة جداً ولم أرد حصرها وإنما التمثيل لها فقط .

 رؤيتي لمرض الوسواس وأسبابه ومصدره

لا يزال الاختلاف ظاهراً كبيراً .. في مصدر الوسواس وأسبابه بين العلماء والأطباء النفسيين ، مما أوقع الموسوس بحيرة كبيرة هو في غنى عنها مما ساعد كثيراً في تعقيد عملية شفائه ، فهو يثق بالعالم كثيراً ، كما يثق بصدقه وحرصه الظاهر كما أن العالم يعمل لله تعالى لا يطلب منه مالاً ولا يريد شكراً بل يريد وجه الله تعالى .

فيسمع منه كلاماً ونصحاً ، لكن الموسوس لا يطبقه فلا يستفيد ، فيذهب للطبيب النفسي ، ويسمع منه كلاما يخالف ما فهمه من العالم ! ويبدأ الطبيب بإقناعه بما يراه فيقع الموسوس في حيرة كبيرة !

من الصادق منهما؟

هل هو العالم الشرعي الذي يعمل لوجه الله تعالى ولكنه قد يجهل بعض أسرار النفس البشرية ، أم هو الطبيب الذي قد يستمليه حب المال وتخفى عليه كثيرا من الأحكام الشرعية ، غير أنه ربما يكون خبيرا بالنفس وطبيعيتها .

وبعد أن تتصادم الأفكار في رأسه تسقط ثقته بالجميع ثم لا يستفيد أبدا .

فلذا أقول لك أيها المريض بالوسواس : بحكم خبرتي الطويلة مع مرض الوسواس ، وسماعي من العلماء والأطباء توصلت إلى أن الوسواس سببه الشيطان أولا ، لقوله تعالى :{وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً}الإسراء 64

جاء في تفسير الطبري : ( عنى به واسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بدعائك إياه إلـى طاعتك ومعصية الله ).

وهذا هو الوسواس فهو طاعة للشيطان وعصيان للرحمن .

ولكن هل الوسواس من الشيطان فقط !

لا ، ولكنه وجد قابلية من الإنسان بأن يكون ذا شخصية وسواسية فأصيب بهذا المرض وهو الوسواس القهري وكلما طال به الوقت كلما زاد تمكن النفس الموسوسة منه أكثر وأكثر ، حتى تصبح أعماله لا إرادية أحيانا ، وكلما كان الإنسان متوترا وقلقا كلما كان تمكن المرض منه أكثر وأكثر ومما يدل على أن الوسواس يكون من النفس قول الله تعالى : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}ق16

ولذلك فالشيطان يوسوس لكل إنسان لكن الفرق هو أن الإنسان الطبيعي يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يزول

عنه ما يجد لكن الموسوس بعد أن يستعيذ بالله يخنس الشيطان ثم تبدأ نفسه الموسوسة بالإلحاح عليه بما وسوس به الشيطان ولا تهدأ حتى يفعله .

أو يعرض عنه نهائيا أما إن استمر في التفكير به دون فعل أو تجاهل فيعني هذا بقاء الفكرة تلح في رأسه حتى يفعلها ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن أشغله الوسواس 🙁 فليستعذ بالله ولينته) رواه البخاري ومسلم .

فلم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بإرشادنا بالاستعاذة فقط بل زاد على ذلك بأن أمرنا بالانتهاء عنه نهائيا .

قد يتساءل البعض ويقول : أحيانا لا يتعلق الوسواس بأمور العبادة فكيف يكون من الشيطان ؟

فأقول  : يقول الله تعالى :(إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)المجادلة 10

فنفهم من هذه الآية أن الشيطان يبذل كل ما في وسعه من أجل أن يصاب المؤمن بالحزن ، بأمور كثيرة كالمناجاة بين رجلين دون الثالث فيبدأ الشيطان يوسوس للرجل الثالث أن المتناجيين يريدان به سوءا ليحزن ذلك المؤمن .

فالشاهد هنا أن الشيطان يسعى جاهدا في أن يعيش المؤمن في قلق وحزن بأساليب كثيرة ومن ضمنها الوساوس القهرية والأفكار التسلطية .

وبعد أن تعرفنا على الوسواس وسببه ومصدره ننتقل الآن إلى  كيفية العلاج منه.

 

مقدمة قبل العلاج

بالنسبة للعلاج .. فلا يمكن أن يشفى المرء من مرض دون تضحية فلا بد من الألم أحيانا حتى يكون العلاج ذا مفعول فعال فعلاج الغرغرينا يكون بالبتر ، وعلاج بعض أنواع السرطان بالاستئصال وبعض الأمراض بالكي.

أخي المصاب بمرض الوسواس  إن كنت تريد الشفاء من الوسواس بلا تعب ولا ألم !! فلا داعي للمحاولة لأنها ستصبح من العبث كمن يريد العلاج من السرطان بأكل الحلوى ! .

نعم ليس هناك حل سريع أبدا لا في العلاج السلوكي ولا الجراحي ! ولا بالحبوب المهدئة ، بل إن الحبوب قد تعرضك لأمور أشد من الوسواس القهري بمراحل مع أنها لا تخلو من فائدة ، ما أريد أن أصل إليه هو أن تكون مستعدا للعلاج معنا في طريقتنا هذه والاستمرار فيها مهما واجهك من صعوبات ، مع العلم أن طريقتنا في العلاج يكون الألم فيها نفسي فقط ولفترة محدودة جدا.

المهم لا تتراجع بعد أن تبدأ العلاج وإن تراجعت فستفسد على نفسك فرصة الاستفادة منه .

ولعلمك فلو بدأت في تطبيق برنامجنا العلاجي ستشعر بالراحة بعد أيام قليلة بإذن الله .

لكن الشفاء الكامل بإذن الله يحتاج إلى الثبات على العلاج وعدم تركه .

********

اقرأ العلاج كاملا أكثر من مرة قبل التطبيق حتى تفهمه وإن أشكل عليك شيء فأعد القراءة مرة أخرى ثم اختر الوقت المناسب للتطبيق حتى يتحقق الشفاء بإذن الله .

التهيئة النفسية

قبل أن نبدأ رحلة العلاج لا بد من التهيئة النفسية قبله ، ليتقبله الإنسان ويستمر عليه ويضحي من أجله مهما واجه الموسوس من صعوبات.

بعد أن يتضح ذلك ، لك الحق أن تسأل فتقول: وكيف أهيئ نفسي؟

فأقول :  إذا أردت ذلك لا بد أن تمر بخطوات عدة ، وهي كالآتي:

1- أن تخلو بنفسك في غرفة هادئة بعد أن تتوضأ وتقرأ الورد اليومي ثم تصلي ركعتين تدعو فيهما ربك بإخلاص أن يعينك على الشفاء ، ثم تجلس جلسةً مريحةً مصطحباً معك دفتراً وقلماً .

2- أن تسأل نفسك الأسئلة التالية وحاول أن تجيب عنها بصراحة تامة بينك وبين نفسك والأسئلة هي ما يلي (وسأضع لك جواباً مساعداً) :

س1/ منذ متى وأنا أعاني من الوسواس ؟

ج/ أعاني منذ سنة .. سنتين .. عشر سنوات ( أذكر المدة ) .

س2/ هل أنا موسوس بالفطرة أم طرأ علي الوسواس ولماذا ؟

ج/ لا . بل كنت صحيحا معافى أعيش كما يعيش الآخرون ولكنني تساهلت في بادئ الأمر مع الأفكار الوسواسية فتطور معي شيئا فشيئا حتى وصلت للمرحلة التي أنا فيها الآن ( وقد يكون هناك سبب آخر) .

س3/ هل الأعمال التي تصدر مني هي صحيحة أم خاطئة ومخالفة للعقل ؟

ج/ بل هي خاطئة ومخالفة للعقل والمنطق ! ، والناس كلهم متفقون على ذلك !

س4/ أيعقل أن يكون الناس كلهم على خطأ وأنا وقلة معي هم المصيبون ؟

ج/ لا ، بل أنا مقتنع أن الناس على صواب بل وأتمنى أن أكون مثلهم.

س5/ ما هو الدافع الأساسي للأفعال الوسواسية ؟

ج/ لكي أرتاح من المعاناة النفسية .

س6/ أسألك بالله ، وهل أحسست بالراحة بعد فعل السلوكيات الوسواسية ؟ فكما ترى حالك لك سنين طويلة في الوسواس هل شعرت بالراحة التي كنت تنشدها ؟ أم أن معاناتك تزيد يوما بعد يوم؟

ج/ لا . بل معاناتي في ازدياد كبير ، وكل يوم أزداد هما وأزداد تعاسة !

س7/ إذا ما الفائدة من فعل كل هذه السلوكيات الوسواسية ؟!

ج / لا أدري .

س8/ هل تريد أن ترتاح من هذه المعاناة الطويلة ؟

ج/ بالتأكيد ، دلني عليها وبأسرع طريق .

بالطبع فبرنامجنا العلاجي ستجد فيه الراحة والطمأنينة في ظرف أيام قليلة بإذن الله تعالى .

 

اسرح بذهنك وابدأ بتخيل بداية الإصابة بالمرض ، ثم تحاولوا أن تستشعروا قسوة المعاناة التي بدأت تعانيها ومدى الحرج الذي وقع بكم وساعات البكاء والألم وفترات الحزن والقلق ، ساعات التوتر والأعصاب المشدودة.

حاولوا أن تتذكرها بتفاصيلها ، ثم مباشرة اعزم داخليا أن تترك جميع هذه الوساوس لتعيش حياة السعداء وابدأ بتخيل حياتك بعد الشفاء بإذن الله .

تخيل أيها الأخ والأخت شعورك بالهدوء والطمأنينة

تخيل السكينة في تصرفاتك ، استشعر السعادة في قلبك ، تخيل نفسك وأنت صحيح معافى في مدرستك في عملك في مجلسك في حياتك كلها تخيل نفسك والبسمة على شفتيك بعد أن حرمتها سنين طويلة.

 

وبعد ذلك اسأل نفسك بكل هدوء وعزيمة:

ولم لا أصبح ذلك الرجل وتلك المرأة .. ؟

ما الذي يمنعني من الإقلاع عن هذه الوساوس ؟

إلى متى وأنا مستمر على هذه الحال ؟؟

لو كان العلاج بالكي هل أنا مستعد له ؟

إذا كانت إجابتك بنعم ، فأقول لك : أبشر ، بل شفاؤك أسهل من ذلك بكثير! بإذن الله ولكن نحتاج منك إلى عزيمة ثابتة ثبوت الجبال.

وإن كانت إجابتك بلا ، فاعلم أنك لم تصل بعد إلى مرحلة الوسواس الشديد ، وشفاؤك سهل جدا بإذن الله تعالى.

ثم اسأل نفسك :

أيعقل أن يأتيني الشفاء في يوم وليلة وبدون كفاح ؟

طبعا لا ، وللعلم فقط : ( فعلاج الوسواس لا يمكن أن يتم بالحبوب المهدئة فقط ولا بالعلاج السلوكي فقط إلا أن يشاء الله ولكنه بإذن الله يتم بالعزيمة الصادقة على ترك الوسواس نهائيا كما جربت أنا وجربه كثير ممن عالجتهم ولله الحمد ) .

ثم اسأل نفسك :

ولم لا أعزم عزيمة صادقة ثابتة ثبوت الجبال على مكافحة الوسواس الآن ؟

أنا متأكد الآن أنك وصلت بحمد الله إلى قناعة تامة وعزيمة ثابتة ثبوت الجبال في مكافحة الوسواس .

لكي تصبح إنساناً سوياً كما تحب أنت وكما تحب أن يراك الجميع.

وبعد أن تكون قد تهيأت نفسياً للعلاج ننتقل إلى الخطوة الثانية .

 

 الخطوة الثانية من خطوات البرنامج العلاجي

ابدأ بتخيل أفعالك الوسواسية الخاطئة أو التي تشك أنها وسواسية واحدا واحدا.

ثم اعزم على ترك السلوك الوسواسي وفعل السلوك الصحيح ( مع تخيل نفسك وأنت تفعل السلوك الصحيح ولا مانع من كتابته) ، مثال:

1-  تخيل حالك وأنت تتعرض للفكرة الوسواسية المزعجة

ثم اعزم على تجاهل الاستجابة لهذا الفكرة الوسواسية وتخيل نفسك وأنت تتجاهلها بكل هدوء وسعادة وطمأنينه تأمل في تصرفك الجديد بكل بتفاصيله ثم اكتبه في الدفتر كأن تكتب:

عندما تعرضت للفكرة الوسواسية ( اكتبها ) قمت بتجاهلتها بكل هدوء فشعرت بسعادة عظيمة وهدوء تام .

2- تخيل غسل اليدين بعد لمس المقابض أو الأغراض في المنزل أو عند إطفاء النور ونحو ذلك ثم اعزم على ترك غسل اليدين ثم تخيل هذا الموقف الجديد ثم اكتبه : ( المقابض والأغراض وووو كلها نظيفة ولن أغسل يدي بعد لمسها )

3- تخيل نفسك وأنت تمتنع عن الجلوس على الأرض أو على بعض الأماكن خشية النجاسة ! ثم اعزم على الجلوس عليها ونبذ هذه الأوهام ثم تخيل هذا الموقف الجديد ثم اكتبه: ( هذه الأماكن طاهرة ونظيفة لذا سأجلس عليها دون شك أو وسوسة).

3- تخيل نفسك وأنت تتألم من فكرة الموت ثم اعزم على الابتسامة عندما تأتيك وقرر أن تتجاهلها تماما لأنها فكرة كاذبة لا قيمة لها واعزم على تطبيق السلوك الجديد .

وهكذا حتى تنتهي من تخيل جميع السلوكيات الوسواسية الخاطئة التي تصدر منك ثم إبدالها بالسلوك الصحيح مع تخيل ممارسة السلوك الصحيح وكتابته إن أردت.

ومعرفة السلوك الصحيح تكون بناءا على تصرفات الآخرين الأسوياء كأبيك مثلا أو إخوتك أو معلميك أو زملائك ولا تعتمد على نفسك الموسوسة بل بناءا على ما تشاهده وما سبق أن شاهدته من تصرفات الأسوياء

 

الخطوة الثالثة من البرنامج :

وهي أن تصلي صلاة الاستخارة (من غير وسوسة)

حيث تصلي ركعتين كالنافلة ولكنك تقول قبل السلام هذا الدعاء :

اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر الذي هو ( تطبيقي لهذا البرنامج المتمثل بترك جميع الأعمال والأوهام والأفكار التي أعتقد أنها وسواسا أو أشك في كونها وسواسا ) خير لي في عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، اللهم وإن كنت تعلمه شرا لي في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به .

عندها ستشعر بإذن الله بعزيمة صادقة لا تقبل التردد ولا الخور على ترك وتجنب جميع السلوكيات والاعتقادات والأوهام الوسواسية وستجد العون من الله تعالى بحوله وقوته.

 

 

 

 علاج الأفكار المزعجة

أن هذه الأفكار جميعاً إنما هي في الأصل من الشيطان يريد بها إحزان الإنسان وإصابته بالهم والقلق لأن الشيطان كما هو معلوم عدو للإنسان ، وعداوته قديمة جداً فلقد أقسم أن يغوي آدم وذريته ، فهو يبذل كل ما في وسعه لإضلالها عن طريق الهدى والرشاد ولكن هل يكتفي بهذه ، لا والله لأن عداوته مبنية على الحقد والحسد يقول الله عز وجل  على لسان إبليس :(أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ) الإسراء61، ويقول سبحانه وتعالى عنه :

( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) الأعراف12 ،  فها هو الشيطان يتكبر على أبينا آدم ويرى أنه خير منه ولذا رفض السجود له حسدا وكبرا !! وهذا الحسد لا يتعلق بأبينا آدم فقط بل حتى ذريته أجمعين مسلمهم وكافرهم ! قال تعالى :

(قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً  ) الإسراء62، فلا يمكن أن يسلم منه إلا من عصمه الله تعالى ولهذا فالشيطان يبذل كل ما يستطيع لكي ينتقم من ذرية آدم عليه السلام بكل وسيلة يستطيعها يقول الله تعالى :

(وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي  الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا  ) الإسراء64.

وهذه العداوة مستمرة إلى قيام الساعة قال تعالى :

( قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) الحجر36 .

فمن أجل هذا سيبقى الشيطان يكيد لذرية آدم عليه السلام وينتقم منهم بطريقين :

أولا : إضلالهم عن عبادة الله تعالى .

ثانيا: بذل كل ما يستطيع ليعيش الإنسان في قلق وضيق ، وذلك باستفزازه

كما يقول تبارك وتعالى :{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً}

يقول الطبري رحمه الله : (يقول تعالى ذكره بقوله : (وَاسْتَفزِزْ ) واستـخفف و استـجهل من قولهم: استفزّ فلانا كذا وكذا فهو يستفزّه ) .

ومن الاستفزاز الذي يمارسه الشيطان هو هذه الأفكار المزعجة التي تزعج الإنسان وتصيبه بالخوف والضيق نسأل الله تعالى أن يعافي المسلمين منها .

حيث يبدأ الإنسان بالتفاعل معها مما يؤدي به في النهاية إلى أن يعيش في حسرة وقلق وحزن دائم بسببها وقد تتطور الحالة إلى أن يصاحبها الأعراض الطبيعية التي تحدث عند الخوف الشديد كالخفقان وضيق التنفس والرعشة ونحوها. وقد يتساءل البعض ويقول :

لماذا تؤثر هذه الأفكار بنا نحن الموسوسين أكثر من غيرنا ؟

فنقول : لأنها وافقت نفساً موسوسة تتفاعل مع مثل هذه الأفكار بخلاف أصحاب الشخصيات غير الوسواسية فقد لا يتأثرون بمثل هذه الأفكار وإن حدث التأثر فهو في الغالب تأثر طبيعي سرعان ما يزول مع الوقت أما الشخصيات الوسواسية فتتأثر بها تأثراً بليغاً مما يؤدي بصاحبها إلى الإصابة بمرض الوسواس القهري ، ولهذا كان من الضروري جداً بيان كيفية التعامل مع هذه الأفكار لمن يملك شخصية وسواسية .

الخطوات العملية للتخلص من هذه الأفكار بإذن الله

أولاً : القناعة بأن هذه الأفكار المزعجة إنما هي من الشيطان .وهذا الأمر نستطيع فهمه من خلال الكتاب والسنة يقول الله تعالى 🙁 إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )المجادلة 10

فنفهم من هذه الآية أن الشيطان يبذل كل ما في وسعه من أجل أن يصاب المؤمن بالحزن ، بأمور كثيرة كالمناجاة بين رجلين دون الثالث فيبدأ الشيطان يوسوس للرجل الثالث أن المتناجيين يريدان به سوءاً ليحزن ذلك المؤمن ، فالشاهد هنا أن الشيطان يسعى جاهداً في أن يعيش المؤمن في قلق وحزن بأساليب كثيرة ومن ضمنها الوساوس القهرية والأفكار التسلطية .

ومن الأدلة على كون الشيطان سبباً في هذه الأفكار ما ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان خارجاً مع زوجته صفية رضي الله عنها من المسجد فمر به اثنان من الصحابة فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي )  ، فقالا : سبحان الله أنشك فيك يا

رسول الله! ، فقال : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فخفت أن يقذف في قلوبكما شيئا).

فهذا دليلٌ واضح على أن الشيطان لعنه الله يقذف في قلب المؤمن ما يسبب له الحزن والظن السيئ ، بل بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجري من ابن آدم مجرى الدم مما يعني ملازمة هذا الشيطان لابن آدم في كل وقت وفي كل حين ، فيجب أن لا يتعجب المرء عندما تكثر عليه الأفكار المحزنة أو المزعجة ، لأن الشيطان قد أقسم أن يستمر في إغوائه إلى يوم القيامة ولهذا طلب من الله تعالى أن ينظره إلى يوم يبعثون يقول الله تعالى :(قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الحجر : 36]

ثانياً : الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، ومعرفة كذب هذه الأفكار لأنها من الشيطان وهو ( ( كذوب ) )كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، والكذوب معناه كثير الكذب ،  وأنت أيها المتعالج من الوسواس لك سنين طويلة تعاني من هذه الأفكار ولقد اكتشفت كذبها ولله الحمد .

ثالثاً : اعتقاد عكس الفكرة ثم الفرح بهذه النتيجة ، فلو وسوس لك أنك لم تقفل الباب فتأكد أنك قمت بقفله . ( يجب أن يكون اعتقاد النقيض تلقائيا دون نقاش أو تفكير )

وكذلك إن وسوس لك أن ابنك قد وقع له حادث سير لا سمح الله فتأكد أنه بخير .. وهكذا .

رابعاً : التوقف عن الاسترسال معها وعدم الاستمرار بالتفكير بها بل توقف مباشرة ولا تسترسل .

وإياك والدخول معها في نقاشات علمية لأنها في النهاية ستغلبك ولن تستفيد من نقاشك شيئا !!

بل تخيل أن أحداً من الناس جلس أربع ساعات وهو يناقشك في قضية ما وهو أقوى حجة منك أليس مصيرك في النهاية هو الاقتناع بها حتى لو كانت خاطئة ! فكذلك الوسواس سيقنعك في النهاية مع تفاهة الفكرة وسخافتها لأنه أقوى منك حجة !! ، لا سيما وأنت ضعيف التركيز مهموم القلب فلا يمكنك والحالة هذه أن تصمد أمام الوسواس.

فالحل هو التوقف وعدم الاسترسال معه .

خامساً : عدم تنفيذ الفكرة التي يلح عليها الوسواس فلو ألح عليك بالتأكد من قفل الأبواب فلا تفعل ، أو ألح عليك بالذهاب إلى الطبيب من أجل فكرة تسلطية فلا تفعل ، أو ألح عليك بفعل حركة معينة فلا تفعلها نهائيا.

وإذا وسوس لك بفكرة محزنة فلا تحزن بل أظهر الفرح والرضا وتصنع الابتسامة .

سادساً: ابتعد عن الوحدة والفراغ فهي أساس المشكلة وهي السبب الرئيس في زيادة الأفكار التسلطية .

فحاول أن تكثر من الجلوس مع الآخرين والحديث معهم والاستماع إلى أخبارهم وملاطفة الأزواج وملاعبة الأطفال ، وإدخال السرور على الوالدين ، وإدخال البهجة على الأهل والأصحاب .

فكل هذه الأمور كفيلة بإذن الله تعالى بزوال الوسواس .

سابعاً : إذا جاءتك الفكرة الوسواسية فيجب أن تنشغل بالحدث الذي تعايشه كالحديث مع من حولك أو الانشغال بما تشاهد أو بما تقرأ .

المهم أن تركز بالأشياء حولك ولا تسرح مع الفكرة الوسواسية لأن هذا من أخطر الأمور التي يقع فيها الموسوس ولطالما كان الموسوس في وادي والناس حوله في وادي آخر !

ثامناً : استمر على فعل هذه الخطوات مع كل فكرة تسلطية تواجهك وتحمل المعاناة التي تأتيك في البداية فما هي إلا أيام قليلة وستتلاشى عنك بإذن الله وستعود طبيعياً كما كنت.

تاسعاً : ابتعد عن الحزن والانفعال وأكثر من الابتسامة ولو تصنعاً ، لأن الوسواس يزداد مع  الحزن ويختفي مع الابتسامة ، واحذر أشد الحذر من ظهور علامات الانزعاج على تعابير وجهك أو على تصرفاتك ، لأن هذا يُفرح الشيطان ويشجعه على الاستمرار بالوسواس وذلك لأن الشيطان لا يعلم الغيب ولكنه يوسوس للإنسان وينظر إلى تصرفاته فإن رأى منه حزناً وانفعالاً فرح بذلك وزاد في وسواسه وإن وجد تجاهلاً وابتسامةً هرب وابتعد ، ولهذا يجب على مريض الوسواس ألا يفعل النتيجة التي يريدها الشيطان منه !!!

فلو وسوس بأنك مصاب بالسرطان أو الإيدز وطلب منك المسارعة إلى المستشفى فلا تذهب ولو وسوس لك بأمر يحزنك فلا تحزن بل يجب عليك الفرح وتصنع الابتسامة .

وهذا هو العلاج بإذن الله ، لأنك إن قمت بتنفيذ ما يريده الوسواس منك فمعنى هذا زيادة الأفكار الوسواسية وتطورها إلى مالا تحمد عقباه .

العاشر : ابتعد عن الشكوى للآخرين وحاول أن تثني على نفسك كثيراً فلو سألك أحدٌ عن حالك فأخبره بأنك في أتم صحة وعافية وأنك تشعر بسعادة غامرة بفضل الله .

وهذا الأمر مهم جداً ولا يستهان به أبداً ، وكذلك يجب عدم البحث عن علاجٍ آخر سواءً في المستشفيات أو في المواقع الالكترونية لأن ذلك سيُفقدك الثقة ببرنامجنا العلاجي ولن تستطيع تطبيقه بعد فقدان الثقة به .

بل طبق ما طلبتُ منك بدقة وسترى النتيجة خلال أسبوع أو أكثر بقليل بإذن الله و بحثك عن علاج آخر إنما هو في الحقيقة رسالةٌ مجانية للشيطان بأنك لا تزال متأثراً بما يعتريك من وساوس وهذا يفسد العلاج من أساسه .

الحادي عشر : يجب عليك أن تنسى المرض نهائياً ولا تجعله شغلك الشاغل بل بمجرد أن تبدأ بتطبيق علاجنا فاعلم أنك بدأت تسير في الطريق الصحيح والشفاءُ آتٍ بإذن الله مهما طال الزمن أو قصر .

المهم هو أن تصل إلى غايتك التي تريد وهذا العلاج هو ما سيوصلك بإذن الله فلا تستعجل .

الثاني عشر : وهو للمصابين بنوبات الخوف والهلع إذا أحسست بأعراض الخوف من خفقان في القلب أو رعشة في الجسد أو ضيق في التنفس أو برودة في الأطراف أو آلام في الرأس والبطن ونحو ذلك من الأعراض الكثيرة .

فاطمئن واعلم أن ذلك من الأمور الطبيعية جداً ، لأن الخوف إذا زاد عن الحد الطبيعي لا بد أن يكون له بعض الأعراض وبمجرد أن يهدأ الإنسان ويزول الخوف تبدأ الأعراض بالاختفاء شيئاً فشيئاً .

ولكن المشكلة أن مريض الوسواس عندما تضغط عليه الأفكار الوسواسية يدخل الخوف إلى نفسه ثم يبدأ بالنقاش العقلي مع الفكرة الوسواسية ويحاول تحليلها وردّها فيزداد خوفه.

وعندما يزدادُ الخوف تبدأ أعراضه بالظهور! كالخفقان ونحوه .

وعندما يرى مريض الوسواس هذه الأعراض يصاب بالرعب الشديد مما يزيد الأعراض ظهوراً وشدةً !!

ثم يسارع المريض إلى المستشفى فتتضاعف هذه الأعراض أكثر إلى أن يصل إلى حد الإغماء !!

ولو نظرنا إلى حاله لو جدنا أن المشكلة كلها نفسيةٌ لا أكثر ولو تجاهل الفكرة الوسواسية من البداية لما حصل ما حصل ، ولهذا يجب على المريض أن يتذكر عاقبة الفزع قبل أن يدخل هذه الدوامة .

ثم ليعلم أن تحمل المعاناة البسيطة في البداية خيرٌ من التمادي مع الوسواس الموصل إلى المراحل الشديدة .

وليتذكر هذه القاعدة دائماً :

( معاناةٌ خفيفةٌ في تجاهل خيرٌ من معاناةٍ شديدةٍ في تنازل ).

وسأضرب لك مثالاً لفكرةٍ تسلطية ثم أبين كيفية علاجها وبناءاً على ذلك حاول تطبيق ذلك على جميع ما يعتريك :

فلو أحس الإنسان بألم في بطنه فأتته الوساوس بأن هذه أعراض مرض السرطان !!

فيجب الاستعاذة بالله من الشيطان ،وعدم تصديق هذه الأفكار الكاذبة .

ثم اعتقاد نقيضها بأن تعتقد اعتقاداً جازماً أن الألم إنما هو إما مرض بسيط جداً كالمغص مثلاً أو أمرٌ نفسي يزول بالتجاهل وذلك لأن الشيطان كذاب ولا يمكن أن يصدق معك أبداً.

بل لو كان مرضك خطيراً لم تأتك هذه الوساوس حتى تتجاهل المرض وتتأخر في علاجه فيستفحل المرض ويزيد ،ولكن عندما كان المرض بسيطاً وسوس لك الشيطان بخطورته لتخويفك وإقلاقك .

ثم توقف نهائياً عن الاسترسال مع الفكرة وعدم نقاشها بل قم بإشغال نفسك بأحد الطرق الأربع التي كتبتها لك .

وإياك وظهور الحزن والقلق على وجهك بل حاول الابتسامة ولو تصنعاً لأن الشيطان لا يعلم الغيب بل هو ينظر إلى حالك فإن رأى منك ابتسامةً وهدوءاً علم أن الوسواس لم يضرك فيبدأ بالانهيار شيئاً فشيئاً ، بخلاف ما لو رأى خوفاً أو فزعاً فإنه بذلك يتشجع ويزيد من وسوسته أكثر كما يجب أن لا تشتكي لأحد لأن الشكوى يُفهم منها أنك متأثر بهذه الوساوس وهذا يزيد الطين بلة .

فالخلاصة هي :

( أن تخفي أي دليل على التأثر مهما كان الأمر كما يجب أن تظهر السعادة والمرح ولو تصنعا ).

المثال الثاني : لبيان كيفية التعامل مع حالات الخوف ونوبات الهلع :

لو أحس المريض بالخوف من الموت أو الخوف من المجهول ونحو ذلك .

ثم بدأ الخوف يزداد حتى بدأت أعراض الخوف تظهر من خفقان أو ضيق في التنفس ونحو ذلك من الأعراض .

فهنا يجب على هذا المريض :

أن يتجاهل الأعراض تماماً .. ولا يلقي لها بالاً ، بل يبتسم ويطمئن ويبدأ بمحادثة الآخرين بكل هدوء دون الالتفات بما يحس به وكذلك عدم الشكوى لأحد ! لأن الشكوى كما بينت من قبل تزيد المشكلة سوءاً ثم يجب عليه أن يتجاهل الفكرة تماماً ولا يناقشها .

واحذر من محاولة تهدئة نفسك بمحادثتها سراً بأن تتكلم مع نفسك بعبارات كثيرة كـ :

( أنا لست خائفاً ، أو أنا قوي ونحو ذلك ) فهذا يزيد الفكرة الوسواسية اشتعالاً [1]

كما علمت ذلك من التجارب الكثيرة التي وقفت عليها ثم احذر أيضاً من محاولة رد الفكرة وإثبات بطلانها فهذا من الخطأ أيضا بل دع الفكرة بحالها وحاول نسيانها .

وهنا ستبدأ الأعراض بالتلاشي تدريجياً بإذن الله .

قاعدة مهمة : ( يجب على مريض الوسواس أن يعيش الحدث ولا يخرج من الحدث ) .

ونقصد بخروج المتعالج من الحدث عندما يكثر من التفكير والسرحان وابتعاده عن الأجواء التي يكون فيها .

فيكون هو في وادٍ والآخرين في واد آخر ، بل يجب عليه أن يعيش الأجواء بكامل تفاصيلها ولا يصرف ذهنه بأي حال من الأحوال لأنه بالسرحان يعيش مع الوسواس بدلا من أن يعيش مع الناس .

[1] تنبيه مهم : قد يوجد من يخالفني في بعض هذه الخطوات نظرا لتأثره بما يسمى بالهندسة النفسية ( NLP ) وخاصة خطوة التوقف عن ترديد العبارات المشجعة والتي يؤمنون بفعاليتها ، ولكن خلافهم بسبب عدم فهمهم لمرض الوسواس القهري بشكل كبير .

وأقول لهم : صحيح أن ترديد العبارات المشجعة يفيد الأشخاص الآخرين ، ولكنه للأسف لا يجدي نفعا مع مريض الوسواس بل يزيد حالته سوءا ولهذا وجب التفريق بين مريض الوسواس وبين الأشخاص الأسوياء .

 

 

أركان العلاج الثلاثة :

( ( التجاهل –  الصمود – المواجهة ) )

فكما رأيت أخي المتعالج من الوسواس أن كل ركن من هذه الأركان قد حصل على ثلث العلاج وهذا إنما يدل على أهمية كل واحد منها فلو فرطت في أحدهما فتكون قد فرطت في ثلث العلاج ويكون شفاؤك على أعلى تقدير 66بالمائة !! ، وهذه النسبة تكون لمن أجاد تطبيق الركنين الآخرين دون نقص  .

مع أن كثيرا من المتعالجين هداهم الله يكتفون بركن واحد وغير كامل أيضا !!

ثم يتحسنون كثيرا في البداية ولكن الوسواس لا يزول نهائيا !! ولهذا يكثرون من السؤال عن سبب تأخر الشفاء النهائي !! مع أنهم لم يطبقوا سوى 33 بالمائة من العلاج أو أقل!

 

الشرح المفصل لهذه الأركان

لقد بينت فيما سبق أهمية هذه الأركان وحاجة المتعالج لها جميعا كما بينت أيضا أن التفريط في واحد منها يجعل العلاج ناقصا ومعرضا للانهيار في أي وقت .

وسأفصل الآن في بيان هذه الأركان الثلاثة :

الركن الأول

( ( التجاهل التام ) )

والمراد بالتجاهل التام هو تجاهل جميع الأفكار الوسواسية صغيرها وكبيرها وعدم الالتفات لها نهائيا ويجب ألا يكتفي المتعالج بعدم فعل السلوك الوسواسي بل يجب عدم التفكير به أيضا !

فلو توضأ إنسان ثم أحس بخروج شيء منه فيجب ألا يلتفت لهذا الأمر نهائيا بل يذهب إلى الصلاة مباشرة كما يجب عليه ألا يحاول إقناع نفسه بعدم خروج شيء منه !! لأن محاولة الإقناع هي وسواس في حقيقة الأمر يجب مقاومتها واعلم أيها المتعالج أن أفضل علاج للوسواس هو تجاهل الفكرة مع بقاء الإحساس بالخطأ !!

لأن إقناع النفس بصحة تجاهل الفكرة يلغي فائدة المقاومة نهائيا ، لأننا نريد بعلاجنا هذا أن يعتاد المتعالج على الصمود أمام الفكرة الملحة وصموده هذا يجعل الإلحاح يخف تدريجيا إلى أن يزول نهائيا بإذن الله .

بخلاف القناعة بصحة التجاهل فإنه لا يؤدي الغرض الذي نريد بل هو مثل فعل السلوك الوسواسي سواءا بسواء !!

لأن الموسوس يفعل السلوك الوسواسي ليوقف الفكرة الملحة !!

والآخر أقنع نفسه بعدم صحة الفكرة الملحة ليوقفها عن الإلحاح أيضا وكلا هما سواء !!

فمثلا : لو ألحت فكرة وسواسية على المتعالج أن يده نجسة !

فهو لا يخلوا من ثلاثة أحوال :

1/  أن يغسل يده لتتوقف الفكرة !.

2/ أن يقنع نفسه بعدم نجاستها فتتوقف الفكرة أيضا !!

وكلا الحالين خطأ !!

3/ عدم غسلها نهائيا وعدم التفكير بها حتى تستمر الفكرة بالإلحاح ثم تتوقف بسبب عدم الاستجابة .

وهذا هو التصرف الصحيح لأن توقف الفكرة الملحة جاء بسبب التجاهل فقط ولم يأتي بسبب التجاوب كما في الحالين الأول والثاني .

الركن الثاني

المواجهة وعدم الفرار !

ونقصد بالمواجهة : أن يواجه المتعالج الفكرة الوسواسية بكل شجاعة ويلغي فكرة الهرب نهائيا ثم يثبت في المواجهة!

فكم هرب المتعالج من الوضوء أمام الناس !! وكم مرة هرب من الصلاة في المسجد ، أو هربت المرأة من الصلاة أمام أهلها وأخواتها !!

وكم مرة هرب فيها المتعالج من الزيارات العائلية أو رفض الخروج من المنزل قبل صلاة العشاء حتى لا تدركه الصلاة في مكان بعيد عن بيته !!

وكم هي المرات التي هرب المتعالج فيها من الدخول إلى دورات المياه العامة !! بل قد يهرب من جميع دورات المياه إلا من واحدة اختص بها لنفسه ومنع منها غيره !!

بل قد يصل الأمر بالمتعالج أن يختصر دخول دورات المياه وسوسة !!  مما يعود عليه بالضرر مرتين ! ضرر صحي وضرر في تأخر الشفاء .

هذه أمثلة فقط وإلا فالمواقف التي يهرب منها المتعالج كثيرة جدا !! والمشكلة أن المتعالج يظن بهروبه هذا أنه حقق شيئا ذا بال !! وما علم المسكين أنه يضر نفسه بنفسه !!

وأن هروبه هذا يؤجل الشفاء فترة أطول فلو استمر في هروبه عشرين سنة فمعنى ذلك أنه يؤخر الشفاء عشرين سنة أيضا ولا يمكن أن يأتي الشفاء دون مواجهة !! فالمواجهة حتمية مهما طال الزمن فلماذا يتأخر المتعالج بتطبيق هذا الركن المهم وهو ركن ( المواجهة وعدم الهرب ) !!

والغريب في هذا الأمر أن الوسواس يسهل للمتعالج سياسة الهرب من المواجهة !!

مثال يوضح ذلك : لو دخل المتعالج المسجد ، فأراد أن يصلي في جهة اليسار من الصف

فقد يأتي الشيطان للمتعالج ويحاول صرفه عن هذا الأمر ويلح عليه بأن يصلي في جهة اليمين ويبدأ بسرد الأدلة في بيان أفضلية اليمين!

وهنا يبدأ المتعالج بالتوتر ويجد نفسه مضطرة للذهاب إلى جهة اليمين بل ويحس أحيانا بسهولة الذهاب لليمين وصعوبة الصلاة في جهة اليسار !!

ولهذا يجب على المتعالج أن يتفطن لهذه الحيلة الشيطانية ولا يغتر بسهولة الأمر عند الهرب من المواجهة وتخفيف الضغط عليه من قبل الوسواس !!

لأن الشيطان إنما يريد بهذا التسهيل سلب سلاحك الفعال في مقاومة الوسواس وهو ( المواجهة ) وإبداله بهذا السلاح الضعيف ( الهرب من المواجهة )  والذي سيكون مع الوقت وبالا عليك ويتحول من سلاح ضعيف أمام الوسواس إلى خنجر مسموم يقضي على جميع الإنجازات التي حققتها بفضل الله ثم بفضل هذا العلاج الذي بين يديك

فاحذر أن تستبدل سياسة المواجهة الفعالةبسياسة الهرب الفاشلة! ، وسياسة المواجهة تحتاج إلى عزيمة وإصرار ، وقد بذلتُ الكثير من الوقت والجهد لكي أخرج بطريقة فعالة تكون معينة بعد الله تعالى في تطبيق ( ركن المواجهة ) وها هي الطريقة الفعالة بإذن الله :

استخدام قاعدة

( ابدأ ، استمر ، أكمل )

وهذه القاعدة هي الطريقة الفعالة بإذن الله تعالى لتطبيق هذه السياسة :

فلو أردت الوضوء مثلا فبدأ الشيطان بتخويفك وإرهابك فهنا إياك من الانسحاب بل طبق هذه القاعدة بسرعة وابدأ الوضوء مباشرة وقل : ( بسم الله ) .

ثم تمضمض واستنشق وهكذا حتى تنهي الوضوء ، فإن ضغط عليك الوسواس لكي تقطع الوضوء فاستمر فيه ولا تبالي بالوسواس فإن استمر الضغط الوسواسي عليك فأكمل الوضوء حتى النهاية وإياك ثم إياك من الانسحاب .

وبهذا تكون قد أنهيت الوضوء كاملا بعد تطبيقك هذه القاعدة ( ابدأ ، استمر ، أكمل ) ،  ثم اذهب إلى الصلاة فإن جاءك الوسواس يخوفك منها فطبق القاعدة مرة أخرى وابدأ مباشرة في الصلاة وكبر ، فإن ضغط عليك الوسواس فاستمر في الصلاة ولا تبالي بهذه الوساوس فإن استمر الضغط ولم يذهب فأكمل الصلاة حتى النهاية وإياك ثم إياك من الانسحاب وقطع الصلاة !

ولعلمك فالوضوء صحيح والصلاة صحيحة بفضل الله حتى لو نويت قطع الوضوء أو الصلاة فاستمر فيهما وصلاتك ووضوؤك صحيحان كما أفتاني بذلك أحد العلماء الأجلاء .

 

الركن الثالث

الثبات والصمود

والمقصود بالصمود والثبات أمران :

أولا : هو صمود المتعالج على تجاهل الفكرة الوسواسية وعدم تنفيذها أو التفكير بها .

ثانيا : استمرار المتعالج بالعبادة وعدم قطعها مهما واجه من أفكار!

وذلك بأن يستمر بالصلاة والوضوء والغسل وغيرها من العبادات ولا يقطعها أبدا .

والصمود والثبات غالبا ما يكون بعد التجاهل وبعد المواجهة .

وهذا الركن هو أهم أركان العلاج لأن جميع الأركان تستند عليه فلو فشل الإنسان في الصمود فقطعا سيفشل بركن المواجهة وركن التجاهل أيضا !!

لأنه لا يمكن أن يكون هناك تجاهل ومواجهة فعالة مع عدم الثبات والصمود !!

فلو أحس المتعالج بخروج قطرات بول منه ولكنه تجاهل الفكرة ولم يفكر في الأمر ولكن الوسواس بدأ يضغط عليه ويشتد و المتعالج لا يلتفت لذلك ولكنه بعد اشتداد الوسواس فشل في الصمود والثبات وغير ملابسه !!

فما رأيكم الآن ؟!

هل المتعالج فشل في الصمود فقط أم أنه فشل في ركنين كاملين من أركان العلاج وهما الصمود والتجاهل!!

بالتأكيد هو فشل في الأمرين معا لأن التجاهل السابق لا فائدة منه بعد أن فشل في الصمود فيه .

مثال آخر : نفرض أن المتعالج أراد الصلاة في المسجد فضغط عليه الوسواس واشتد كثيرا !! ولكنه طبق سياسة المواجهة وذهب للمسجد وعندما دخل في الصف كبر للصلاة ولكن الوسواس اشتد أكثر وأكثر !! ففشل المتعالج في الصمود وقطع الصلاة !!

فما رأيكم الآن  ؟؟! هل فشل في الصمود فقط أم أنه فشل في الصمود وكذلك في المواجهة أيضا ؟!

بالطبع هو فشل في الأمرين معا لأن المواجهة لا فائدة منها بعد أن فشل في الصمود .

ولهذا قلنا بداية أن ( ( ركن الصمود ) ) هو أهم أركان العلاج لأن جميع الأركان تستند عليه فلو فشل الإنسان في الصمود فقطعا سيفشل بركن المواجهة وركن التجاهل أيضا !!

ولكي يستطيع المتعالج أن يصمد أمام الأفكار يجب عليه أن يتذكر دائما أن النصر لمن يصبر في اللحظات الأخيرة فربما يصمد الإنسان مدة من الزمن ولم يتبقى سوى ثواني أو دقائق معدودة وينهار الوسواس ولكن المتعالج للأسف يكون هو السابق في الانهيار دائما !

ومن الأمور المساعدة على الثبات تذكر قاعدة ( استمر – أكمل ) وذلك بان يستمر في الصمود ولا يستسلم وإن اشتد عليه الوسواس يستمر بالصمود حتى يكمل العبادة التي هو فيها،أو يستمر في الصمود حتى تتلاشى الفكرة الملحة نهائيا .

 

الخطوة الخامسة والأخيرة من خطوات العلاج

الاستمرار على العلاج والاستعداد الكامل لمقاومة العقبات

حيث أنك بعد تطبيق العلاج ستشعر براحة عجيبة وقد تجلس يوما أو يومين أو أكثر بلا وساوس .

وهنا يحب الحذر الشديد لأن الوسواس في هذا الوقت يقوم بالابتعاد الكلي عنك لأنه لا يستطيع مواجهتك في هذه الأوقات بسبب قوة عزيمتك وصلابتها ، ولكنه ينظر إليك من بعيد ويتحين الفرصة لينقض عليك من جديد فانتبه لهذا وكن يقضا لهذه المكيدة فإن أتتك فكرة وسواسية ولو سخيفة فقاومها بأشد ما تستطيع وتجاهلها مباشرة وطبق عليها ( أركان العلاج الثلاثة ) لأنك بهذا التصرف تكون قد كسرت ظهر الوسواس وتكون قد وجهت له صفعة لن يفيق بعدها بإذن الله تعالى .

تواصل معنا على الواتساب
1
error: Content is protected !!